المتواجدون الآن

لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟

ابتدأ الأمير « شكيب أرسلان » رحمه الله أشهر مفكري الإسلام ورجاله في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري دراسته حول تأخر المسلمين وتقدم غيرهم في شتي العلوم والمجالات المختلفة، حيث تحدث عن بداية عصر التخلف منذ أن انهزم المسلمين وأخذوا يذوقون طعم الهزائم المصيرية في بلاد المجد المفقود « الأندلس » وتقبل المسملين لقدرهم وما تسوقه الأيام لهم من انكسارات وهزائم متتالية وتقبلها بروح مؤمنة تريد وتسعي نحو تغير الواقع والبحث عن الخلاص بشتي الوسائل وعبر الطرق الشريفة.
 
حيث ذكر السبب الذي ساد به السلف من عز ومجد تحت ميدان الهيبة والرخاء وازدهار الحضارة الإسلامية، وما فقده المسلمون الآن.
وأما أسباب التخلف فقد ذكر بعضاً منها وهي كالآتي:
1- بروز الطاقة التخريبية الشرسة والمنظمة، والروح البربرية المتمثلة في التتار، والتي اكتسحت كل مظاهر الحضارة وسحق كل آثار العمران في فترة قصيرة نسبياً في وقت قد انقسمت فيه الأمة الإسلامية دولاً متنافرة بين المذاهب والطوائف.
2- بروز الطاقة العدوانية المتعصبة والمتمثلة في حملات الصليبيين وضرب كيان الأمة الإسلامية في صميمها.
3- بروز التحرك القومي الحاقد متمثلاً في تحالف ممالك قشتاله في الأندلس ونجاح هذا التحالف في حرب الإسترداد المقدسة التي شنت ضد المسلمين.
4- تطوير السلاح والبارود وتوظيفه في ضرب قلاع المسلمين وحصونهم.
5- هدم البنية الإسلامية داخلياً عن طريق التحزبات والإنقسامات الفئوية والجماعات المختلفة وتشجيع الخلافات المذهبية ودعم الحركات الباطنية والخفية بشتي صورها ومضمونها وتأثيرها علي الدعوة الإسلامية.
6- شل الدعوة الإسلامية كنظام حكم وأسلوب حياة، وسجن هذه الدعوة ضمن جدران المساجد، وتقزيم المفاهيم الدينية.
7- التخلف العام عن ركب الحضارة العصرية، وعدم متابعة النهضة الصناعية والتكنولوجية وأيضاً في ميدان العلوم الطبيعية.
كل ذلك كان السبب الحقيقي في تراجع المسلمين وهي الأسباب الرئيسية التي تجعلنا نتسائل اليوم ونقول لماذا تأخر المسلمون؟.
ويقول: « فلو كان الله وعد المؤمنين بالعزة بمجرد الإسم دون الفعل لحق لنا أن نقول أين هي عزة المؤمنين؟ ». فالله غير مخلف وعده، والقرآن لم ولن يتغير أو يتبدل، وإنما المسلمون هم الذين تغيروا وتبدلوا، والله تعالى أنذر بهذا فقال تعالي: « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ».
لقد ظن كثير من المسلمين أنهم مسلمون بمجرد الصلاة والصيام، وكل مالا يكلفهم بذلَ دمٍ ولا مال، وانتظروا على ذلك النصر من الله. وليس الأمر كذلك، فإن عزائم الإسلام لا تنحصر في الصلاة والصيام، ولا في الدعاء والإستغفار، وكيف يقبل الدعاء ممن قعدوا وتخلّفوا وقد كان في وسعهم أن ينهضوا ويبذلوا الكثير والكثير؟! وهذا حاصل اليوم حيث تشحذ همم الشباب لما فيه رزقهم وغناهم ولا مستجيب، وترى الهمم تخرج لتنظيم مهرجانات ومؤتمرات ومبتدعات ما جنينا منها إلا الفساد والتأخر وتفرق المسلمين بين أفكار ومذاهب شتي!!
ولكن المسلمون مطالبون بالنهوض والتقدم، لأنهم مشعل النور، وبيدهم كل مفاتيح الخير والصلاح، ولكن الأمة الإسلامية تريد استقلالها بدون مفاداة ولاتضحيات ولا مجاهدة بالمال، ويطالبون الله بالنصر علي غير الشرط الذي اشترطه الله تعالي في قوله تعالي: (ولينصرن الله من ينصره)، وقوله تعالي: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ونصر الله يتحقق لهم عندما ينصرون دينه، وقوله تعالي: (وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وقوله تعالي: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعي)، وقوله تعالي: (لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وقوله تعالي: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثي).

أهم عوامل تاخر المسلمين:

إن من أهم الأسباب الرئيسية أيضاً في تأخر الأمة الإسلامية هوا الجهل العميق الذي يجعل فيهم من لا يميز بين الخمر والخل، ومن أعظم الأسباب جهالة هوا العلم الناقص، وكذلك فساد الأخلاق وترك العزائم التي حملها سلف الأمة وسمو الأخلاق في تكوين الأمم فوق المعارف، ومن أكبر عوامل تقهقر المسلمون هوا حكامهم وولاة أمورهم من الخاصة فضلاً عن العلماء المتزلفون لهؤلاء الأمراء والمتقلبون في نعمائهم، ومن أعظم العوامل تأخراً للمسلمين هوا الجبن والهلع بعد أن كانوا أشهر الأمم في الشجاعة واحتقار الموت (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون)، وانضم إلي هذا الجبن والهلع اليأس والقنوط من رحمة الله تعالي قال تعالي: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
وما أشبه الليلة بالبارحة والله المستعان! فقد ذكر المؤلف رحمه الله في أحد المواضع المسلمون الذين يحملون أسماء إسلامية، وينتمون إلى أسر إسلامية ويعيشون في مدن إسلامية، لكنهم ليسوا من الإسلام في شيء وما أكثرهم اليوم...!!

العبرة للعرب والمسلمين برقي اليابان

يتحدث الكاتب عن أن رقي اليابان وتطورها يضاهي ويضارع الرقي الأوروبي، ولكن تقدم اليابان صار ضمن دائرة قوميتهم ولسانهم وآدابهم وحريتهم ودينهم وشعائرهم فيتحدث عن اليابانيين ويقول: إن الياباني يحب الفن قبل كل شيء، وإن سعي لكسب المال فمن أجل الوصول إلي الحسن والجمال ويفتخر بهم لأنهم أصبحوا في طور 60 عاماً من أمة تعيش في العصور الوسطي اقطاعية الحكم إلي أمة عظيمة متقدمة ومتطورة حيث سعت اليابان إلي اشتقاق واستعار مدنيتها العسكرية والمدنية ومباحث تعليمها من أوروبا كلها بوجه عام وأخذ المجددون يقتبسون من كل شعب ما يرونة الأفضل، فكان بدايةجديدة نحوا دولة ظهر فيها التقدم في كل مناحي الحياة اليابانية.

وينقل المؤلف كلام لأحد الفرنسيين اسمه لامازليير ( La mazeliere ) تكلم عن اليابانيين في الجرائد الفرنسية، وهو كلام مهم يجب تأمله لنعرف حاجتنا من الغير، يقول لامازليير: « إن ظفر اليابان بالصين لم يثبت علو الأفكار والمبادئ العلمية التي أخذتها اليابان من الغرب وكفى، بل أثبت أمراً آخر، وهو أن شعباً أسيوياً بمجرد إرادته وعزيمته عرف أن يختار ما رآه الأصلح له من مدنية الغرب مع الإحتفاظ باستقلاله وقوميته وعقليته وآدابه ولغته وثقافته.

لماذا لا نسمي اليابان وأوروبا رجعية بتدينهما؟

حيث تتقدم اليابان هذا التقدم السريع والمدهش وتصير أمة عصرية يضرب برقيها المثل وهي تضرب بأعراقها إلي عادات وتقاليد مضي عليها آلاف السنين، ويكون امبراطورها هوا كاهنها الأعظم ولا نقول عنها بأنها رجعية أو مرتجعة أو حتي متأخرة، وأيضا القارة الأوروبية كلها مسيحية وتفتخر بمسيحيتها متحدة فيما بينها تاركة ورائها كل العداوة التي كانت بينهم برغم أن الديانة التي تدين بها أوروبا عمرها 19 قرناً، وهؤلاء اليهود الذين يفتخرون بتوراتهم وكيف يسعي شبابهم في إحياء اللغة العبرية والتي لا يعرف مبدأ تاريخها لتوغلها في القدم، ولا يقال عنهم أنهم رجعيون أو متاخرون..!!!

فكل قوم يعتصمون بدينهم ومقومات ملتهم ومشخصات قومهم الموروثة ولا ينبذون بهذه الألقاب إلا المسلمين، فإذا دعاهم داعي إلي الإستمساك بقرآنهم وعقيدتهم ومقوماتهم ومشخصاتهم وباللسان العربي وآدابه والحياة الشرقية بوجه عام ينطق الذين في قلوبهم مرض تسقط الرجعية والتخلف ثم يقولون كيف تريدون التطور والتقدم وأنتم تريدون بنا العودة إلي عصور بالية وقديمة؟.

إن كل من تقدم من هؤلاء الخلائق وتقدموا وعلوا وطاروا في السماء لم يأت كل ذلك من فراغ، فالمسيحي باقٍ علي انجيلة وتقاليدة الكنسية، واليهودي باقٍ علي وثنه وارثه المقدس كما يحلمون، كلٌ يفرح بما لديه، أما المسلم المسكين لا يمكن أن يترقي إلا إذا رمي قرآنه من يده وترك عقيدته ومآخذه ومتاركه ومنازعه وحتي طعامه وشرابه وعليه أن يفصل تاريخه القديم تماماً وإلا فلا حظ ولا نصيب له في تقدم منشود، هذا الضرر من أولي القلوب الجاحدة تريد الضرر للمسلمين عامة والإسلام بوجه خاص.

المصَائبُ التي حَلت بالمُسلمين

 يقول المؤلف رحمه الله عن المصائب التي حلت بالمسلمين وسببها، فالمصائب التي حلت بالمسلمين هي مما اقترفته أيديهم، ومما حادوا به عن المنهج السوي، الذي أوضحه لهم القرآن، فلو أنهم عملوا بمحكم آياته، لكانت لهم اليد الطولي، لكن تركهم له كان سبباً في ضعفهم، فضعف علمهم به، وذهبت ريحهم، وولى السلطان الأكبر الذي كان لهم، وانتقصت الأعداء أطراف بلادهم، ثم قصدوا أوساطها، ومازال الأعداء يغتنمون ويحتلون من بلدان الإسلام حتى أصبح ثلاث مائة مليون مسلم تحت ولاية الأجانب، ولم يبق في العالم سوى 70 أو 80  مليون مسلم نستطيع أن نقول: إنهم تحت ولاية أنفسهم، واليوم كل المسلمين مليار وقرابة النصف مليار تحت ولاية غيرهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وينقل المؤلف كلام (فولتير) ومن في حزبه من أقطاب الملاحدة فلا يفرقون كثيراً بين الكاثوليك والبروتستانت، وعندهم أن جميع هذه العقائد واحدة، وأنها عائقة عن العلم والرقي، ولهذا قال (فولتير) تلك الكلمة عندما ذكر لديه (لوثر) و (جان كلفن)، قال « كلاهما لا يصلح أن يكون حذّاءً لمحمد »، يريد أنّ محمداً صلي الله عليه وسلم بلغ من الإصلاح مالم يبلغا أدناه، مع اعتقاد الكثيرين أن مذهبهما كان مجرد أنوار أوروبية من الدرجة الأولي ».

خاتمة المؤلف

يوجه الأمير شكيب رحمه الله كلمة لطلاب النهضة القومية دون الدينية يقول: يقول بعض الناس: مالنا وللرجوع إلى القرآن في ابتعاث همم المسلمين إلى التعليم، فإن النهضة لا ينبغى لها أن تكون دينية، بل وطنية قومية كما هي نهضة أوربة؟.

ونجيبهم: إن المقصود هو النهضة سواء كانت وطنية أم دينية، على شرط أن تتوطن بها النفوس على الحب في دائرة العلم، ولكننا نخشى إن جردناها من دعوة القرآن أن تفضي بنا إلى الإلحاد والإباحة وعبادة الأبدان، واتباع الشهوات، مما ضرره يفوق نفعة، فلا بد لنا من تربية علمية سائرة جنباً إلى جنب مع تربية دينية.

يتسائل المؤلف رحمه الله ويقول:  فكيف يصلح المجتمع الإسلامي ومعظم أهله يعتقد أنه لا يصلح لشيء؟، ولا يمكن أن يصلح على أيديهم شيء، وأنهم إن اجتهدوا أو قعدوا فهم لا يقدرون أن يضارعوا الأوربيين في شيء.!! وكيف يمكنهم أن يناهضوا الأوربيين في معترك وهم موقنون أن الطائلة الأخيرة ستكون للأوربيين لا محالة؟ ونتسائل أيضاً: كيف يصلح المجتمع وشبابه يبحثون عن وظائف لا تحتاج إلى مهارات لأنهم غير مستعدين لتطوير أنفسهم فضلاً عن أمتهم؟.

وكيف يرتقي المجتمع والطلبة المتفوقون يتكدسون في الهندسة الكهربائية والمدنية لوفرة مجال التوظيف فيها، والميكانيكة أم الهندسة والصناعات تهجر، والسبب أن شباب الأمة أوهموا أن الوظيفة هي ماء الحياة التي لا يستطيع العيش بدونها فكثر الموظفون وتأخر المجتمع..!!!
وخلاصة الجواب يقول رحمه الله: « والمسلمون يمكنهم إذا أرادوا بعث العزائم، وعلموا وعملوا بما حرضهم عليه كتابهم، أن يبلغوا مبالغ الأوربيين والأمريكيين واليابانيين من العلم والإرتقاء، ولأن يبقوا على إسلامهم، كما بقي أولئك على أديانهم، بل هم أولى بذلك وأحرى، فإن أولئك رجال ونحن رجال، وإنما الذي يعوزنا الأعمال، وإنما الذي يضرنا هو التشائم وانقطاع الآمال » فلننفض غبار اليأس، ولنتقدم إلى الأمام، ولنعلم أننا بالعون سنحقق كل أمنياتنا بالعمل والدأب والإقدام، وتحقيق شروط الإيمان التي في القرآن « والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين »
 
« شكيب أرسلان »
ولمن يريد تحميل الكتاب
من هنا




Google Ads

2 التعليقات:

مدونة عربي يقول...

رااائع اخي الكريم

مدونتي المتواضعة

http://3rbyblog.blogspot.com

almushahid يقول...

مشكووور علي المتابعة وردودكـ المتواصلة.

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger